الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
4478 - (رمضان بمكة) أي صوم شهر رمضان وهو مقيم بها (أفضل من) صوم (ألف رمضان بغير مكة) لأنه تعالى اختارها لبيته وجعلها مناسك لعباده وحرماً آمناً وخصها بخواص كثيرة منها مضاعفة الحسنات وفي مضاعفة السيئات قولان وحاول ابن القيم تنزيلهما على حالين فقال: تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها فإن السيئة جزاؤها فإن سيئة تكن سيئة كبيرة فجزاؤها مثلها وصغيرها جزاؤها مثلها والسيئة في حرم اللّه وعلى بساطه أكبر منها في أطراف الأرض ولهذا من عصى الملك على بساط ملكه ليس كمن عصاه بمحل بعيد. - (البزار) في مسند (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه عاصم بن عمرو ضعفه من الأئمة أحمد وغيره ووثقه ابن حبان وقال: يخطىء ويخالف. 4479 - (رمضان شهر مبارك نفتح فيه أبواب الجنة) أي أبواب أسبابها مجاز عن كثرة الطاعة ووجوه البر وهو كناية عن نزول الرحمة وعموم المغفرة فإن الباب إذا فتح يخرج ما فيه متوالياً أو هو حقيقة وإن من مات من المؤمنين برمضان يكون من أهلها ويأتيه من روحها فرق من يموت في غيره (وتغلق فيه أبواب السعير) فيه العمل المذكور في أبواب الجنة (وتصفد فيه الشياطين) أي تشد وتربط بالأصفاد وهي القيود والمراد قهرها بكسر الشهوة النفسية بالجوع أو تصفد حقيقة تعظيماً للشهر ولا ينافيه وقوع الشرور فيه لأنها إنما تغل عن الصائم حقيقة بشروطه أو عن كل صائم والشر من جهات أخر كالنفس الخبيثة أو المقيد هو المتمرد منهم فيقع الشر من غيره (وينادي مناد) أي ملك أو المراد أنه يلقى ذلك في قلوب من يريد اللّه إقباله على الخير (كل ليلة يا باغي الخير هلم) أي يا طالبه أقبل فهذا وقت تيسر العبادة وحبس الشياطين أو يا طالب الثواب أقبل فهذا أوانك فإنك تعطى ثواباً كثيراً بعمل قليل لشرف الشهر (ويا باغي الشر أقصر) فهذا زمن قبول التوبة والتوفيق للعمل الصالح وللّه عتقاه من النار لعلك تكون من زمرتهم. - (حم هب عن رجل) من الصحابة. رمز المصنف لحسنه وفيه عطاء بن السائب قال في الكاشف: ثقة ساء حفظه بآخره وقال أحمد: من سمع منه قديماً فصحيح. 4480 - (رمضان بالمدينة) أي النبوية أي صومه (خير من ألف) أي من صوم ألف (رمضان فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة (وجمعة) أي وصلاة جمعة (بالمدينة خير من) صلاة (ألف جمعة فيما سواها من البلدان) أي إلا مكة قال [ص 40] بعضهم: وكذا يقال في سائر العبادات بها وببيت المقدس بخمس مئة في الكل. قال القونوي في شرح التعرف: ورمضان من خصائص هذه الأمة. - (طب والضياء) المقدسي (عن بلال بن الحارث المزني) بضم الميم وفتح الزاي المدني صحابي مات سنة ستين قال الهيثمي: فيه عبد اللّه بن كثير وهو ضعيف وأورده في الميزان في ترجمة عبد اللّه بن كثير ثم قال: وهذا باطل والإسناد مظلم تفرد به عنه عبد اللّه بن أيوب المخزومي ولم يصب ضياء الدين بإخراجه في المختارة. 4481 - (رمياً بني إسماعيل) أي ارموا رمياً يا بني إسماعيل والخطاب للعرب (فإن أباكم) إسماعيل بن إبراهيم (كان رامياً) فيه فضل الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية التمرن على الجهاد والتدرب ورياضة الأعضاء لذلك وأن الجد الأعلى يسمى أباً والتنويه بذكر الماهر في صناعته ببيان فضله وحسن خلق المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم ومعرفته بأمور الحرب وفيه الندب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها. - (حم ه ك) في الجهاد (عن ابن عباس) قال: مرَّ النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بنفر يرمون فذكره وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه أحد من الشيخين وإلا لما عدل بغيره وهو ذهول فقد خرجه البخاري ولفظه في الجهاد: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: ما لكم لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ قال: ارموا فأنا معكم كلكم. 4482 - (رهان الخيل طلق) أي المراهنة يعني المسابقة عليها جائزة قال في العارضة: رهان الخيل عبارة عن حبسها على المسابقة من الرهن وهو الحبس وذلك لأنه تعالى سخر الخيل وأذن في الكر والفر والإيجاف عليها ولم يكن بد من تدريبها وتأديبها والتأدب بها حتى يقتحم غمرة الحرب ليكون أنفع وأنجع في المقصود فشرع الشارع المسابقة عليها على الكيفية المبينة في الفروع. - (سمويه والضياء) في المختارة (عن رفاعة) بكسر الراء وخفة الفاء ابن رافع بن مالك الزرقي بدريّ وأبو نقيب بقي إلى إمارة معاوية ورواه أبو نعيم في الصحابة من رواية يحيى بن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة عن أمه عن أبيها مرفوعاً. 4483 - (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) أي بالغ عاقل ذكر حر مقيم غير معذور فلا رخصة في تركها لمن ذكر فليس له أن يلزم العزلة ويترك الجمعة لأجل التفرغ للعبادة والسلامة من أذى الخلق وما نقل عن بعض الكاملين من التخلف عن شهودها فلعله تيقن أن الضرر الذي يلحقه في مخالطة الناس بسبب هذه الفروض أعظم من تركها فحينئذ يكون له عذر كذا ذكره الغزالي قال: وقد رأيت أنا بمكة بعض العلماء المتفردين لا يحضر المسجد الحرام في الجماعات مع قربه منه وسلامة حاله فحاورته في ذلك فذكر من عذره أن ما يجده من الثواب لا يغني بما يلحقه من الآثام والتبعات في الخروج للمسجد ولقاء الناس. - (ن عن حفصة) أم المؤمنين ورواه عنها أيضاً الديلمي. 4484 - (روحوا القلوب ساعة فساعة) وفي رواية ساعة وساعة أي أريحوها بعض الأوقات من مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب قال أبو الدرداء: إني لأجِمّ فؤادي ["لأجِمُّ فؤادي" و "أجموا": قال في النهاية: وفي حديث طلحة رضي الله عنه "رمى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفرجلة وقال: دونكها، فإنها تِجُّم الفؤاد" أي تريحه، وقيل تجمعه وتكمل صلاحه ونشاطه. انتهى من النهاية. ومنه "الاستجمام". دار الحديث] ببعض الباطل أي اللهو الجائز لأنشط للحق وذكر [ص 41] عند المصطفى صلى اللّه عليه وسلم القرآن والشعر فجاء أبو بكر فقال: أقراءة وشعر فقال: نعم ساعة هذا وساعة ذاك وقال علي كرم اللّه وجهه: أجِمّوا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي تكل وقال بعضهم: إنما ذكر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأولئك الأكابر الذين استولت هموم الآخرة على قلوبهم فخشي عليها أن تحترق وقال الحكيم في شرح هذا الحديث: الذكر المذهل للنفوس إنما يدوم ساعة وساعة ثم ينقطع ولولا ذلك ما انتفع بالعيش والناس في الذكر طبقات: فمنهم من يدوم له ذكره وقت الذكر ثم تعلوه غفلة حتى يقع في التخليط وهو الظالم لنفسه ومنهم من يدوم له ذكره في وقت الذكر ثم تعلوه معرفته بسعة رحمة اللّه وحسن معاملة عباده فتطيب نفسه بذلك فيصل إلى معاينته وهو المقتصد. وأما أهل اليقين وهم السابقون فقد جاوزوا هذه الخطة ولهم درجات قال: فقوله ساعة وساعة أي ساعة للذكر وساعة للنفس لأن القلب إذا حجب عن احتمال ما يحل به يحتاج إلى مزاج ألا ترى أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لما صار إلى سدرة المنتهى فغشيها ما غشى وأشرق النور حال دونه فراش من ذهب وتحولت السدرة زبرجداً وياقوتاً فلما لم يقم بصره للنور عورض بذلك مزاجاً ليقوى ويستقر كأنه شغل قلبه بهذا المزاج عما رأى لئلا ينفر ولا يجد قراراً. - (أبو بكر المقري في فوائده والقضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن أبي بكر المذكور (وعن أنس) بن مالك (د في مراسيله عن ابن شهاب) يعني الزهري (مرسلاً) قال البخاري: ويشهد له ما في مسلم وغيره يا حنظلة ساعة وساعة وقال شارح الشهاب: إنه حسن. 4485 - (رياض الجنة المساجد) أي فالزموا الجلوس فيها وواظبوا عليها قال الغزالي: ولا مناقضة بينه وبين الأخبار الآمرة بالعزلة لأن هذا في غير زمن الفتنة أو المراد أنه يحضر في المسجد ولا يخالط الناس ولا يداخلهم فيكون بالشخص معهم وبالمعنى منفرداً وهذا هو المروي في معنى العزلة والانفراد الذي نحن في شرحه لا التفرد بالشخص والمكان فافهم ولهذا قال إبراهيم بن أدهم: كن واحداً جامعياً ومن ربك ذا أنس ومن الناس ذا وحشة والمدارس والمرابط جمعت المعنيين والفائدتين التفرد عن الناس بالصحبة والمشاركة في الخير لتكثير شعار الإسلام إلى هنا كلامه. - (أبو الشيخ [ابن حبان]) ابن حيان (في الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضاً ابن أبي شيبة والديلمي. 4486 - (ريح الجنة توجد من مسيرة خمس مئة عام ولا يجدها) أي ولا يشم ريحها (من) أي إنسان (طلب الدنيا بعمل الآخرة) كأن أظهر الصيام والصلاة والتنسك ولباس الصوف ليوهم الناس أنه من الصالحين فيعطي وهذا أبلغ زجر من هذا الفعل القبيح الموجب لدخول النار فإنه إذا لم يشم ريح الجنة من هذه المسافة البعيدة فهو لا يدخلها وإذا لم يدخلها دخل النار إذ لا منزلة بين المنزلتين ومن ثم ورد في خبر سيأتي إن ملائكة السماوات والأرضين تلعنه لتلبيسه وتدليسه. - (فر عن ابن عباس). 4487 - (ريح الجنوب من الجنة) وهي الريح اليمانية (وهي الرياح اللوافح التي ذكر) ها (اللّه في كتابه) القرآن (فيها منافع للناس والشمال) كسلام ويهمز كجعفر (من النار) نار جهنم (تخرج) فتمر (بالجنة فيصيبها نفحة منها فبردها من ذلك) وهي [ص 42] تهب من جهة القطب حارة في الصيف والرياح أربع هذان والثالث الصبا تهب من مطلع الشمس وهي القبول أيضاً والرابعة الدبور كرسول تهب من المغرب. - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في كتاب السحاب وابن جرير) الطبري الإمام المجتهد المطلق (وأبو الشيخ [ابن حبان]) ابن حيان (في) كتاب (العظمة وابن مردويه) في التفسير (عن أبي هريرة). 4488 - (ريح الولد من ريح الجنة) يحتمل أن ذلك في ولده خاصة فاطمة وابنيها لأن في ولدها طعم ثمار الجنة بدليل خبر الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة ومنه قيل لعلي أبو الريحانتين ويحتمل أن المراد كل ولد صالح للمؤمن لأنه تعالى خلق آدم في الجنة وغشى حواء فيها وولد له فيها فبنو آدم من نسلها ولهذا قال ابن أدهم: نحن من أهل الجنة سبانا إبليس بالخطيئة فهل للأسير من راحة إلا أن يرجع إلى ما سبي منه؟ فريح الولد من ريح الجنة لأنه أقرب إليها من أبيه ولم يتدنس بعد بالخطايا والمراد أن الولد كسب الرجل والكسب الطيب والعمل الصالح مقدمة الجنة وهو الزاد إليها (نكتة) قيل لحكيم: أي الريح أطيب قال: ريح ولد أربه وبدن أحبه. - (طس) وكذا في الصغير (عن ابن عباس) قال الهيثمي: رواه عن شيخه محمد بن عثمان بن سعيد وهو ضعيف وقال شيخه الزين العراقي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وابن حبان في الضعفاء عن ابن عباس وفيه مندل بن علي ضعيف اهـ. وأقول: رواه أيضاً البيهقي في الشعب وفيه مندل المذكور. *2* 4489 - (الراحمون) لمن في الأرض من آدمي وحيوان لم يؤمر بقتله بالشفقة والإحسان والمؤاساة والشفاعة وكف الظلم ثم بالتوجع والتوجه إلى اللّه والالتجاء إليه والدعاء بإصلاح الحال ولكل مقام مقال (يرحمهم) خالقهم (الرحمن) وفي رواية للزعفراني ذكرها الحافظ العراقي في أماليه الرحيم بدل الرحمن (تبارك وتعالى) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم[ والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لحرمة اللّه لا ينافي كل منهما الرحمة] فإطلاق الرحمة عليه باعتبار لازمها لتنزهه عما يتعلق بالجوارح قيل: وذا أول حديث روي مسلسلاً (ارحموا من في الأرض) أي من تستطيعون رحمته من المخلوقات برحمتكم المتجددة الحادثة (يرحمكم من في السماء) أي من رحمته عامة لأهل السماء الذين هم أكثر وأعظم من أهل الأرض أو المراد أهل السماء كما يشير إليه رواية أهل السماء قال العارف البوني: فإن كان لك شوق إلى رحمة من اللّه فكن رحيماً لنفسك ولغيرك ولا تستبد بخيرك فارحم الجاهل بعلمك والذليل بجاهك والفقير بمالك والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك والعصاة بدعوتك والبهائم بعطفك ورفع غضبك فأقرب الناس من رحمة اللّه أرحمهم لخلقه فكل ما يفعله من خير دق أو جل فهو صادر عن صفة الرحمة وقال ابن عربي: قد أمر الراحم أن يبدأ بنفسه فيرحمها فمن رحمها سلك بها سبيل هداها وحال بينها وبين هواها فإنه رحم أقرب جار إليه ورحم صورة خلقها اللّه على صورته فجمع بين الحسنيين ولذلك أمر الداعي أن يبدأ بنفسه في الدعاء اهـ. (تتمة) أنشدنا والدي الشيخ تاج العارفين وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الشيخ الصالح معاذ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا بقية المجتهدين شيخ الإسلام يحيى المناوي وهو أول شعر سمعناه منه قال: أنشدنا الحافظ المحقق ولي الدين [ص 43] العراقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد الوهاب السكندري وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا محمد بن محمد الواسطي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو المظفر سليم الحافظ وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا أبو محمد عبد العزيز الدمشقي وهو أول شعر سمعته منه قال: أنشدنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن هبة اللّه ابن عساكر وهو أول شعر سمعته منه: بادر إلى الخير ياذا اللب مغتنما * ولا تكن من قليل الخير محتشما واشكر لمولاك ما أولاك من نعم * فالشكر يستوجب الإفضال والكرما وارحم بقلبك خلق اللّه وارعهم * فإنما يرحم الرحمن من رحما <تنبيه> قال العلامة أقضى القضاة الجويني في ينابيع العلوم: حكمة إتيانه بالراحمين جمع راحم دون الرحماء جمع رحيم وإن كان غالب ما ورد من الرحمة استعمال الرحيم لا الراحم أن الرحيم صيغة مبالغة فلو عبر بجمعها اقتضاء الاقتصار عليه فعبر بجمع راحم إشارة إلى أن العباد منهم من قلت رحمته فيصح وصفه بالراحم لا الرحيم فيدخل في ذلك ثم أورد على نفسه حديث إنما يرحم اللّه من عباده الرحماء وقال: إن له جواباً حقه أن يكتب بماء الذهب على صفحات القلوب وهو أن لفظ الجلالة دال على العظمة والكبرياء ولفظ الرحمن دال على العفو بالاستقراء حيث ورد لفظ الجلالة يكون الكلام مسوقاً للتعظم فلما ذكر لفظ الجلالة في قوله إنما يرحم اللّه لم يناسب معها غير ذكر من كثرت رحمته وعظمت ليكون الكلام جارياً على نسق العظمة ولما كان الرحمن يدل على المبالغة في العفو ذكر كل ذي رحمة وإن قلت. - (حم د) في الأدب (ت) في الزكاة (ك) كلهم (عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي: حسن صحيح زاد (حم ت ك والرحم شجنة) بالكسر والضم (من الرحمن) أي مشتقة من اسمه يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبه بذلك مجازاً واتساعاً وأصل الشجنة شعبة من أغصان الشجرة (فمن وصلها وصله اللّه ومن قطعها قطعه اللّه) أي قطع عنه جوده وفضله. 4490 - (الراشي والمرتشي) أي آخذ الرشوة ومعطيها (في النار) قال الخطابي: إنما تلحقهم العقوبة إذا استويا في القصد فرشى المعطي لينال باطلاً فلو أعطى ليتوصل به لحق أو دفع باطل فلا حرج وقال ابن القيم: الفرق بين الرشوة والهدية أن الراشي يقصد بها التوصل إلى إبطال حق أو تحقيق باطل وهو الملعون في الخبر فإن رشى لدفع ظلم اختص المرتشي وحده باللعنة والمهدي يقصد استجلاب المودة ومن كلامهم البراطيل تنصر الأباطيل. - (طص عن ابن عمرو) بن العاص قال الهيثمي: رجاله ثقات وقال المنذري: ثقات معروفون قال ابن حجر: وليس في سنده من ينظر في أمره سوى شيخه والحارث بن عبد الرحمن شيخ ابن أبي ذئب وقد قواه النسائي. 4491 - (الراكب شيطان) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال: (والراكبان شيطانان) لأن كلاً منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال: سميا بذلك لأن واحداً من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري: قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي: سمى الواحد والاثنين شيطاناً لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري: هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة [ص 44] رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سداً للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي صلى اللّه عليه وسلم مع أبي بكر رضي اللّه عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض. - (حم د ت ك) في الجهاد (عن ابن عمرو) بن العاص قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وفي الرياض بعد عزوه لأبي داود والترمذي: أسانيده صحيحة وقال ابن حجر: حديث حسن الإسناد وصححه ابن خزيمة. 4492 - (الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها) أخذ بظاهره ابن جرير الطبري فذهب إلى أن الراكب يندب كونه خلفها والماشي حيث شاء ومذهب الشافعية أن الأفضل لمشيعها كونه أمامها كيف كان وعكس أبو حنيفة. قال ابن العربي: وهذا باب ليس للنظر فيه مدخل وإنما هو موقوف على الأثر (والسقط يصلي عليه) إذا تيقنت حياته أو إذا استهل (ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة) أي في حال الصلاة عليه وفيه أدعية مأثورة مشهورة مبينة في الفروع وغيرها. - (حم د ت ك) في الجنائز (عن المغيرة) بن شعبة قالوا: ووهم من قال المغيرة بن زياد قال الحاكم: على شرط البخاري وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه من الستة إلا هذين وليس كذلك بل خرجه الأربعة في الجنائز. 4493 - (الرؤيا) بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالباً بشيء محبوب يرى مناماً كذا قاله جمع وقال آخرون: الرؤيا كالرؤية جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان وقال ابن عربي: للإنسان حالان حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة وفي كليهما جعل اللّه له إدراكاً يدرك به الأشياء يسمى ذلك الإدراك في اليقظة حساً ويسمى في النوم حساً مشتركاً فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية وكل ما تدركه في النوم يسمى رؤيا مقصور وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما يضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس وهو نوعان إما إدراك صوته في الحس وإما إدراك أجزاء كل الصورة التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذي فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته فلا يدركه في النوم أبداً فالأصل الحس والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك وقد يتقوى الأمر على بعضهم فيدرك في اليقظة ما يدرك في النوم وذلك نادر وهو لأهل الطريق من نبي وولي (الصالحة(1)) أي المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة. وقال الكرماني: الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم ومخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها (من اللّه) أي بشرى منه تعالى وتحذير وإنذار ذكره القرطبي قال الكرماني: حقيقة الرؤيا الصالحة أنه تعالى يخلق في قلب النائم أو حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان فيقع ذلك [ص 45] في اليقظة كما رآه وربما جعل علماً على أمور يخلقها اللّه أو خلقها فتقع تلك كما جعل اللّه تعالى الغيم علامة على المطر (والحلم) بضم فسكون أو بضمتين وهو الرؤيا غير الصالحة (من الشيطان) أي من وسوسته فهو الذي يرى ذلك للإنسان ليحزنه بسوء ظنه بربه وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من اللّه وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها (حين يستيقظ عن يساره ثلاثاً) كراهة للرؤيا وتحقيراً للشيطان واستقذاراً له وخص اليسار لأنها محل الأقذار (وليتعوذ باللّه من شرها فإنها لا تضره) إذا التجأ إلى اللّه فلا يصيبه شيء ببركة صدق الالتجاء إليه وامتثال أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما يرفع اللّه البلايا بالصدقة وكل ذلك لقضاء وقدر لكن الأسباب والوسائط عاديات لا موجودات. قال ابن حجر: ورد في صيغة التعوذ أثر صحيح "أعوذ بما عاذت به ملائكة اللّه ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني أو دنياي". قال ابن نفيس في الشامل: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول بأن يكثر تبخيره أو تدخينه فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو ينفتح حال النوم حرك الدماغ عن أوضاعه فيعرض عنه اختلاط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها في بعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس التي يدرك بها تلك الصورة ويلزم ذلك أريحكم على تلك الصور بمعاني تناسبها فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام مشوشة فاسدة وقد يحدث الأحلام لأمر مهم يتفكر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة فيه وهذا كالصانع والمفكر في العلوم وكثيراً ما يكون الفكر صحيحاً لأن القوة تكون قويت مما عرض لها من الراحة ولتوفر الأرواح على القوى الباطنية ولذلك كثيراً ما يتخيل حينئذ مسائل لم تخطر بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة ولذلك الشعراء يندر صحة أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل بما لا حقيقة له وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اهـ. ذكر الحكيم الترمذي أن سبب الرؤيا أن الإنسان إذا نام سطع نور النفس حتى يجول في الدنيا ويصعد إلى الملكوت فيعاني الأشياء ثم يرجع إلى معدنه فإن وجد مهلة عرض على العقل والعقل يستودع لحفظ ذلك. - (ق د ت عن أبي قتادة). 4494 - (الرؤيا الصالحة) وصفت بالصلاح لتحققها وظهورها على وفق المرئي (من اللّه والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا يكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ويتعوذ باللّه من الشيطان فإنها لا تضره) جعل هذا سبباً لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء (ولا يخبر بها أحداً) لأنه ربما فسرها تفسيراً مكروهاً لظاهر صورتها وكان ذلك محتملاً فوقعت كذلك بتقدير اللّه (فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر) بضم الياء وسكون الموحدة من البشارة وروي بفتح الياء وسكون النون من النشر وهو الإشاعة قال عياض: وهو تصحيف (ولا يخبر بها إلا من يحب) لأنه لا يأمن ممن لا يحبه أن يعبره على غير وجهه حسداً وليغمه أو يكيده قال الغزالي: الرؤيا انكشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب [ص 46] فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الصالح الصادق ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام ولهذا أمر بالطهارة عند النوم لينام طاهراً وهو إشارة لطهارة الباطل أيضاً فهو الأصل وطهارة الظاهر كالتتمة. - (م عن أبي قتادة) الحارث وقيل: عمر وقيل: النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة السلمي بفتحتين. 4495 - (الرؤيا ثلاث فبشرى من اللّه) يأتي بها الملك من أم الكتاب وبشرى مصدر كحسنى أي فإحدى الثلاث هي في نفسها بشرى لإفراط مسرتها للرائي قال ابن عربي: سماها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها لحزن أو فرح فيظهر لذلك أثر في البشرة (وحديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كأن يكون في أمر مهم أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به من ذلك الأمر أو معشوقه في النوم وهذا لا عبرة به (وتخويف من الشيطان) بأن يريه ما يحزنه قال البغوي: أشار به إلى أنه ليس كل ما يراه النائم بصحيح ويجوز تعبيره إنما الصحيح ما جاء به الملك (فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة (وليقم فليصل) ما تيسر زاد في رواية وليستعن باللّه فإنه لن يضره قال القرطبي: والصلاة بجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة فهي جامعة للآداب (وأكره الغل) في النوم لأن الغل جعل الحديد في النوم نكالاً وعقوبة وقهراً وإذلالاً ففيه إشارة إلى تقييد العنق وتثقيله بتحمل الدين أو المظالم أو كونه محكوماً عليه وغالب رؤيته في العنق دليل على حال سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرط فيها أو معاصي اقترفها أو حقوق لازمة أضاعها مع القدرة وقد تكون في دنياه كشدة تعتريه وبلية تلازمه (وأحب القيد) أي أحب أن يرى الإنسان مقيداً في النوم (القيد ثبات في الدين) لأنه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشر والباطل فقال المعبرون: إذا رأى برجله قيداً وهو في نحو مسجد أو على حالة حسنة فهو دليل ثباته في ذلك ولو رآه نحو مريض أو مسجون كان ثباته فيه وإذا انضم الغل له دل على زيادة ما فيه. - (ت ه عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضاً أحمد وغيره. 4496 - (الرؤيا على رجل طائر) أي هي كشيء معلق برجله لا استقرار لها (ما لم تعبر) بالبناء للمجهول وتخفيف الباء في أكثر الروايات أي ما لم تفسر (فإذا عبرت وقعت) تلك الرؤيا بمعنى أنه يلحق الرائي أو المرئي له حكمها قال في النهاية: يريد أنها سريعة السقوط إذا عبرت كما أن الطير لا يستقر غالباً فكيف يكون ما على رجله وقال في جامع الأصول: كل حركة من كلمة أو شيء يجري لك طائر يقال اقتسموا داراً وطار سهم فلان في ناحية كذا أي خرج وجرى والمراد أن الرؤيا على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر وهي لأول عابر يحسن تعبيرها (ولا تقصها إلا على وادِّ) بتشديد الدال أي محب لأنه لا يستقبلك في تفسيرها بما تكرهه (أو ذي رأي) أي ذي علم بالتعبير فإنه يخبرك بحقيقة حالها أو بأقرب ما يعلم منه لأن تعبيرها يزيدها عما جعلها اللّه عليه وقال القاضي: معناه لا يقصها إلا على حبيب لا يقع في قلبه لك إلا خير أو عاقل لبيب لا يقول إلا بفكر بليغ ونظر صحيح ولا يواجهك إلا بخير. [ص 47] قال الراغب: الرؤيا فعل للنفس الناطقة ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوة في الإنسان فائدة وهي ضربان: ضرب وهو الأكثر أضغاث أحلام وأحاديث نفس من الخواطر الرديئة يكون النفس في تلك الحال كالماء المتموج الذي لا يقبل صورة، وضرب وهو الأقل صحيح هو قسمان: قسم لا يحتاج إلى تأويل وقسم يحتاج إليه ولهذا يحتاج المعبر إلى مهارة للفرق بين الأضغاث وغيرها وليميز بين الكلمات الروحانية والجسمانية ويفرق بين طبقات الناس إذ كان فيهم من لا تصح له رؤيا ثم من تصح له منهم من يرشح لأنه يلقى إليه في المنام الأشياء العظيمة الخطيرة ومنهم من لا يرشح لذلك وكذلك قال اليونانيون: يجب للمعبر أن يشتغل بعبارة رؤيا الحكماء والملوك دون العوام فإن له حظاً من النبوة وهذا العلم لا يحتاج إلى مناسبة بينه وبين متحريه فرب حكيم لا يرزق حذقاً فيه ورب نزر الحظ من الحكمة وسائر العلوم يوجد له فيه قوة عجيبة انتهى.
|